حزب الوسط الجديد- الأحد 03 مايو 2009
تتناول الدراسة "النظام الرسمي العربي" من زاوية "معرفية" محددة هي "البناء المفاهيمي العلمي" الدال عليه، والذي يتم من خلاله: توصيفه والتعريف به، وتحليل تطوراته وتفسير أزماته، وتحديد مآلاته ورسم سيناريوهاته المستقبلية. وستقارب الدراسة مفهوم "النظام الرسمي العربي" عبر مفهوم "النظام الإقليمي العربي" الذي عرفته الدوائر الأكاديمية العربية منذ ثلاثة عقود تقريبا، ومازال حتى الآن محلا للتداول، وموضعا للقبول من هذه الدوائر، لدرجة التماهي معه ومع ظواهره المستجدة وأنماط تفاعلاته وأزماته واختراقاته. وسيكون تناولنا للقضية عبر أربعة متغيرات ترسم الصورة الكلية: الأول: النظام العربي واقعه ومصطلحه – علاقة الدال بالمدلول. الثاني: صلاحية توصيف مفهوم "النظام الإقليمي" لواقع "النظام الرسمي العربي".
الثالث: القدرة التفسيرية والتحليلية للمفهوم في مقاربة "النظام الرسمي العربي". الرابع: مستقبل النظام الرسمي العربي: صلاحية المفهوم في رسم السيناريوهات المستقبلية. النظام العربي
واقعه ومصطلحه.. علاقة الدال بالمدلول 1- بداية فإن "النظام الرسمي العربي" ظهر إلى الوجود قبل تحديد مفهوم "النظام الإقليمي العربي" الذي يعبر به عنه في الدوائر الأكاديمية العربية. وقد استخدمت قبله الكثير من "المفاهيم" -وما تزال- في الدلالة على "النظام الرسمي العربي" من قبل الخطاب السياسي والإعلامي والأكاديمي العربي وغيره -ليس هنا مجال تفصيلها- ولكن أكثرها شيوعا وتعرضا الانتقادات العلمية في الوقت نفسه هو مفهوم "الشرق الأوسط"، وقد ارتبط الترويج لمفهوم الشرق الأوسط خاصة وصفه بـ "الكبير" و "الجديد" بالمشروع الأميركي في المنطقة في عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش. 2- والواقع أن أسبقية نشأة "النظام الرسمي العام" عن المفهوم الذي يستخدم في الدلالة عليه "النظام الإقليمي العربي" هي مسألة ليست "بدعا" في العلاقة بين "المفاهيم" -عالم الأفكار والمعاني- "والواقع -عالم الأشياء والمؤسسات-، فهذه "الأخيرة" تسبق "الأولى" "وجودا"، ومع مرور الوقت تصبح "المفاهيم" ليست مجرد تمثيل للواقع بل هي الواقع نفسه، كما يتمثل في عالم الوعي والتصورات، ومن ثم تغيب المسافة بين ثنائية الدوال والمدلولات. 3- إذا راجعنا "الذاكرة التاريخية" لنشأة النظام الرسمي العربية لمعرفة كيفية تشكله وتطوره التاريخي وصولا إلى لوقت الحالي سنجده يعود بداية إلى ما عرف بـ "المسألة الشرقية" في حلقتها الأخيرة التي شهدت تصفية "الإمبراطورية العثمانية"، وقد مثلت -ولو على نحو ما ولقرابة خمسة قرون- الكيانية الرمزية لوجودنا "الدولي"، حيث قامت القوى الاستعمارية الأوروبية التقليدية وفي "قرن الاستعمار" حسب وصف المفكر الكبير جمال حمدان باقتسام إرث "رجل أوروبا المريض" فيما بينها استعمارا لبلادنا بمختلف أصناف وأشكال الاستعمار.
وقد أتى القرن العشرون شاهدا -في نصفه الأول- حربين عالميتين بين تلك القوى الاستعمارية، كما شهد بروز حركات "التحرر" و"الاستقلال" العربية، وتمخض هذا القرن-في نصفه الثاني- عن أطروحة "نظام دولي" مختلف بقواه الاستعمارية "العجوز" والأخرى "البازغة" وبأنماط علاقاته وسياساته وأساليب سيطرته وهيمنته. 4- وفي هذا السياق التاريخي لتشكل "نظام دولي" مختلف بعد الحرب العالمية الثانية جاءت ولادة "النظام الرسمي العربي" ونشأته منذ عام1945، وفي هذا الصدد يمكن رصد ثلاث ظواهر جسدت له واقعيا: أ – نشأة نظام "الدول" "الوطنية و"المستقلة" سياسيا بعد رحيل الاستعمار العسكري، أي ولادة "الدولة – ما بعد الاستعمار". ب- نشأة "جامعة الدول العربية" تنظيما إقليميا يجمع هذه الدول ويعبر عنها سياسيا. ج – نجاح المشروع الصهيوني في المنطقة عبر تأسيس "إسرائيل" واحتلال فلسطين عام 1948 استعمارا استيطانيا برعاية النظام الدولي وقواه الأساسية. والخلاصة أن نشأة "النظام الرسمي العربي" بعناصره المجسدة له: وحداته، دوله، تنظيمه الإقليمي، جامعته، وتفاعلاته، وسياساته.. إلخ جاءت في سياق تشكل "النظام الدولي" عبر سياسات القوى الاستعمارية المهيمنة، أي في لحظة ولادة تاريخية ملتبسة إلى حد كبير. وفي الخطوة التالية تم إدخال النظام الرسمي العربي وإدماجه في النظام الدولي باعتباره "نظاما فرعيا" له. فمثلا اشترط لحصول "دول" النظام الرسمي العربي أو وحداته على "الاستقلال" ضرورة "الإعتراف" بسيادة قواعد "القانون الدولي" -وهي لم تشترك في وضع معظمها- فقد قبلت مثلا بقاعدة السيادة الإقليمية وقدسية الحدود –بكل ما تعنيه من تكريس تفتيت الكيان الواحد، وتكريس نظام "الدولة القطرية". كما أن هذا "الإعتراف" أُعتبر بدوره شرطا لدخول مؤسسات المجتمع الدولي (الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة)، وبذا أصبحت "وحدات – دول" "النظام الرسمي العربي" أعضاء في هذه المؤسسات، ملتزمة بكل ما تصدره من قرارات –خاصة مجلس الأمن-، وعلى المدى الزمني فإنه ونتيجة للإرث الاستعماري الأوروبي أضحت المنطقة العربية هي المنظومة الفرعية الأكثر اختراقا من بين منظومات النظام الدولي. 6- إذا كان هذا هو واقع "النظام الرسمي العربي" فإن المفهوم الذي تراه الكثير من الدراسات الأكثر جدية وعلمية في الدلالة عليه هو "النظام الإقليمي العربي" كما سبق أن أشرنا، وهو الذي يمكننا من فهمه وتحليله –وإن كنا في هذه الدراسة نحاول أن نناقش مدى صدقية هذه الفرضية- ويمكننا أن نفهم هذا المفهوم الأخير عبر تحليله على المستويين الجزئي والكلي كالتالي: أ – التحليل على المستوى الجزئي الذي يفكك المفهوم لمكوناته الثلاثة الأساسية وهي: "النظام" و"الإقليمي" و"العربي" ويفحصها لبيان مكوناتها الجزئية. ب – التحليل على المستوى الكلي الذي يعيد تركيب المفهوم على مستوى الخصائص والسمات الكلية ببيان تركيبه العام. ج – يقود هذا التحليل للمفهوم على هذين المستويين إلى فحص مكوناته الثلاثة واستخراج دلالتها وتعريفها كالتالي: 7/1 - مفهوم "النظام - System":