قبل أكثر من ألف عام عندما دخل الإسلام الصين في عهد أسرة تانغ الملكية بدأ الصينيون يدينون به وينشرون العقيدة الإسلامية عن طريق تلاوة القرآن الكريم وتعلم الحديث النبوي. وفي الوقت نفسه أخذوا يتعلمون اللغة العربية قراءة وكتابة بطريقتهم الخاصة، وكان ذلك لثلاثة أسباب: الأول، كان المسلمون الصينيون الأولون يحتاجون بشدة إلى نسخ آيات القرآن والأحاديث النبوية باللغة العربية لكي ينشروا الفكر الإسلامي على أوسع نطاق وفي أسرع وقت عن طريق دراسة أمهات الكتب الإسلامية التي ينسخونها بأنفسهم؛ والثاني، أنهم كانوا بحاجة إلى كتابة بعض العبارات الدينية بالعربية على واجهات المساجد والمطاعم وعلى أدواتهم المنزلية، وأيضا نقش عبارات التأبين على شواهد قبورهم إظهارا لعقيدتهم الدينية؛ والثالث، أن تعلم فن الخط وإجادته كان عادة شائعة بين المثقفين الصينيين في ذلك العهد الذي شهدت الصين فيه ازدهارا شاملا وغير مسبوق، وكان الخط العربي يعجبهم، وخاصة منهم المسلمين، فصمموا على إجادته. وعبر التاريخ الطويل ترسخ فن الخط العربي في أرض الصين، واندمج مع فنون الخط الصيني المحلي، وتحول إلى فن خط عربي صيني فريد، وأصبح جزءا من الحضارة الصينية العريقة.
وبفضل سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج تحقق الصين نموا سريعا وتقدما كبيرا في جميع المجالات بما في ذلك فن الخط العربي للمسلمين الذين فقد أقاموا معارض ومسابقات خاصة له، وفتحوا له رسميا دروسا متخصصة في المدارس والجامعات التي يوجد فيها التعليم الديني الإسلامي أو دراسة اللغة العربية، كما أخذ بعض العلماء والمتخصصين في الشؤون الدينية يولون اهتماما أكبر لدراسة قواعده، وكل ذلك ساهم في ازدهار فن الخط العربي في الصين.
ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي أقامت الدوائر الحكومية المعنية والجمعيات الإسلامية على مختلف المستويات وكذلك مشاهير الخطاطين والرسامين المسلمين سلسلة من المعارض والمسابقات حول فن الخط العربي من أجل تنشيط هذا الفن العريق ونشر الثقافة الإسلامية. ومن أهمها: "الدورة الأولى للمعرض الوطني لفن الخط العربي في المناطق الذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة" التي أقيمت في مدينة تسانغتشو بمقاطعة خبي في إبريل عام 1985 و"الدورة الثانية للمعرض الثقافي للأقليات القومية الصينية" في بكين في أكتوبر عام 1992و"الدورة الأولى للمعرض الوطني لفن الخط العربي"، في مدينة لانتشو حاضرة مقاطعة قانسو في أكتوبر عام 2000
وقد أقيمت هذه المعارض والمسابقات بجهود حكومية أو جماعية أو فردية، وبعضها على المستوى الوطني، والآخر على المستوى المحلي، وبعضها جمع بين فنون الرسم والخط والنحت والتشكيل وغيرها، وبعضها الآخر لفن الخط العربي فقط. ولكنها جميعا عكست على درجات متفاوتة اتجاه تطور فن الخط العربي الذي يعززه المسلمون الصينيون بعنايتهم وجهودهم، وما حققوه من منجزات في هذا الصدد. ومثلت الأعمال المعروضة فيها روح أصحابها في الاجتهاد والجرأة على الاكتشاف والسعي إلى التقدم، وكذلك نهجهم الحميد في احترام الحضارة الإسلامية العريقة، وبالتالي تركت انطباعا عميقا لدى مشاهديها ازاء جهود المسلمين الصينيين في إظهار ميزات فن الخط العربي ودمجها مع خصائص الحضارة الصينية الأصيلة، وأيضا في عرض الثقافة الإسلامية والفضائل التقليدية للأمة الصينية. ويمكن القول إن هذه المعارض والمسابقات قدمت مساهمة إيجابية في التوفيق بين الإسلام والاشتراكية وتعزيز التضامن بين أبناء مختلف القوميات وبناء مجتمع متناغم في الصين.
على الرغم من انتشار فن الخط العربي بين المسلمين الصينيين منذ أكثر من ألف سنة، وظهور خطاطين كثيرين للغة العربية في كافة الأماكن عبر مراحل التاريخ المختلفة، ظل تعليم هذا الفن الرائع مقصورا على المساجد أو الدوائر التعليمية الأهلية، ولم يجد فرصة لدخول المدارس الرسمية لكي يتعلمه الطلاب المسلمون وفقا للمناهج التعليمية المقررة. كما أنه لم تكن هناك قواعد محددة أو نظرية مقنعة لهذا الخط فراح كل خطاط يكتب اللغة العربية كما يشاء، وكان من نتيجة ذلك أن بقي فن الخط العربي بالصين في مستوى منخفض دون اتجاه واضح للتطور.
ومن أجل تعزيز ازدهار الثقافة الإسلامية وتطوير فن الخط العربي في الصين قرر معهد العلوم الإسلامية الصيني استحداث مادة تعليمية خاصة للخط العربي وإدراجها ضمن منهاجه التعليمي الرسمي في عام 1990، وبذلك فتح صفحة جديدة في تاريخ التعليم الإسلامي الصيني.
هذا وقال أستاد محمد باي بمعهد علوم الاسلامية الصيني: "بكل شرف وفخر كلفني المعهد بتولي مهمة تدريس الخط العربي لجميع الطلاب الجدد الذين التحقوا بالمعهد في العام الدراسي الجديد لسنة 1990، وهم طلاب الدورة التدريبية للأئمة والدارسون في الفصول على المستوى فوق المتوسط وعلى المستوى الجامعي. وقد بدأت عملي من الصفر، وقمت بتأليف المواد الدراسية والاهتداء إلى الطريقة الصحيحة للتعليم واستخلاص الخبرات المفيدة من التجارب التطبيقية. وبعد أكثر من عشر سنوات من الجهود المشتركة مع زملائي في المعهد توصلنا إلى سلسلة متكاملة من الطرق التعليمية القائمة على المواد الدراسية المنتظمة والنظرية العلمية الخاصة بفن الخط العربي، وصار "فن الخط العربي" مادة مفضلة لطلاب المعهد. وفي الوقت نفسه قدمنا مساعدات وإرشادات إلى المعاهد الإسلامية المحلية في مقاطعات خنان وقانسو وخبي وغيرها ليتم فيها استحداث دروس فن الخط العربي، وفضلا عن ذلك سافرت إلى مختلف الجامعات والمعاهد خارج بكين لألقي محاضرات حول فن الخط العربي هناك، وهكذا ارتقى انتشار فن الخط العربي وتعليمه إلى مرحلة جديدة من التطور في الصين