قبل أيام زارتنا عائلة لم نجتمع بها منذ أسابيع، وجلسنا نتبادل أطراف الأحاديث حول أمور حياتية شتى. ووسط سعادتنا هذه رأيت زوجة صديقي الضيف تتلفت يمينا وشمالا وتنظر بقلق الى ساعتها. سألتها عما يشغلها فقالت: أين جهاز التلفزيون؟ قلت لها :إنه موجود في غرفة مكتبي المجاورة فقد أبعدته عن صالة الجلوس لكي لا يقطع حديثنا "خبر عاجل" أو برنامج ممل أو نشرة أخبار لا أول له ولا آخر أو ثرثرة من تصفهم الفضائيات بالمحللين السياسيين وقد تكاثروا بتكاثرها. فقالت هي وابنتها: هل نستطيع أن ننتقل الى تلك الغرفة فقد حان موعد بث
مسلسل نور؟ قلت لها: آآآآ تذكرت بالتأكيد تستطيعان، وبسرعة البرق أخلت ضيفتنا وابنتها المكان وانتقلتا الى تلك الغرفة لتجلسا أمام التلفزيون كما كنا نفعل أيام طفولتنا.
هذا الموقف ليس فرديا، فهناك مواقف أخرى شبيهه به تحدث في بيوت عربية كثيرة وقد قرأت في جريدة الأخبار اللبنانية أن سعوديّا طلَّق زوجته بسبب مهند (كيفانش تاتليتوغ ) هذا الممثل المغمور المقبل من عالم عروض الأزياء بحسب منار ديب "تحول إلى أسطورة في الشارع العربي، وخصوصاً لدى الجنس اللطيف".
وها هي صوره المطبوعة تنتشر في الشوارع وتباع بكثرة في دمشق. كما وضعت بعض الفتيات صورته على الهاتف الخلوي أو جهاز الكومبيوتر، فيما يتم تداول قصص عن حالات طلاق تسببَّ بها مهند. وقد يجيءُ ذلك ضمن الحملة الإعلامية لترويج العمل.
وقد وصل الأمر بشركات السياحة السورية إلى استثمار مسلسل "نور" للدعاية إلى رحلاتها إلى تركيا. وأحد البرامج السياحية إلى اسطنبول يعدُ الزبائن بزيارة قصر عائلة "شاد أوغلو" (في المسلسل) مقابل 30 دولاراً، بمعزل عن التكاليف الأخرى للرحلة.
هذا الإهتمام الذي يصل الى درجة الهوس له أسبابه لدى جمهورنا الذي ملّ المسلسلات المكسيكية الأقرب في المصادفات التي تحدث لأبطالها الى الأفلام الهندية فضلا عن أن المشاكل التي تناقشها غريبة عن واقعنا الشرقي كما إن الدبلجة للعربية الفصحى جعلت الأمر لا يخلو من تكلف، لذا وجد هذا الجمهور بأصوات الممثلين الذين يتحدثون اللهجة السورية الدارجة انسجاما بين الصورة والصوت رغم إننا أحببنا أواخر السبعينيات مسلسل "عازف الليل " لعبدالمجيد مجذوب وكان يتكلم العربية الفصحى ولم تكن اللغة تشكل عائقا في التواصل مع أحداثه لكن شتان بين ذلك الزمان وهذا.
تابعت بعض حلقات هذا المسلسل مجاملة لزوجتي التي أعدها من "ضحايا "هذا الهوس فلم أر به ما يستحق المشاهدة والمتابعة ولم أجده مختلفا عن "حواديت" المسلسلات المكسيكية، ويبدو أن وراء هذا الهوس الذي لا يضارعه سوى الهوس الذي اجتاح الشارع العراقي في الثمانينيات بعد عرض الفيلم التركي "أزرق.. أزرق" وكان من بطولة إبراهيم طاطلس حيث صارت زرقة عيني بطلته هوليا عنوانا لقصائد وأغان وأحلام يقظة.
ثم اختفى ذلك الهوس الذي مبعثه كون السينما التركية كانت جديدة على جمهورنا ولكل جديد لذة وبالتأكيد سيمل جمهورنا هذه المسلسلات بعد حين ليبحث عن منقذ تلفزيوني جديد يملأ ساعات فراغه الطويلة.