تاريخ دخول المطابع الحديثة إلى تركيا مضطرب، لم تتفق المصادر على تحديد بدايته؛ حيث ورد أن بداية معرفة الأتراك للمطابع الحديثة كان مع دخول المهاجرين اليهود إلى الأراضي العثمانية، عندما حملوا معهم مطبعة تطبع الكتب بعدة لغات هي: العبرية، واليونانية، واللاتينية، والإسبانية، فطُبعت التوراة مع تفسيرها في عام 1494م، وطبع كتابٌ في قواعد اللغة العبرية عام 1495م، وطبعت كتب أخرى بعدة لغات في عهد السلطان بايزيد الثــاني (886-918هـ /1481-1512م) بلغت تسعة عشر كتابًا .
ويؤكد بعضُ الباحثين أن الآستانة عاصمة الأتراك العثمانيين هي أول بلد شرقي يعرف المطابع الحديثة، ويرجع ذلك إلى عام 1551م، في عهد السلطان سليمان الأول القانوني (926-974هـ/ 1520-1566م)، وكانت ترجمة التوراة إلى اللغة العربية، والتي قام بها سعيد الفيومي هي أول كتاب يطبع في تركيا في ذلك العام، وقد طبعت بحروف عبرية .
ويذكر موريس ميخائيل أن أول مطبعة تطبع بحروف عربية في اسطنبول هي التي أسسها إبراهيم الهنغاري عام 1727م (1139هـ)، وسمح له بطباعة الكتب عدا القرآن الكريم، ويبدو أن أول كتاب يظهر في هذه المطبعة هو كتاب ((قاموس وان لي )) في مجلدين، بين عامي 1729-1730م، وهو ترجمة تركية لقاموس (( الصحاح )) للجوهري، ويقترب معه إلى حد كبير الدكتور سهيل صابان في تحديد تاريخ أول مطبعة بالحروف العربية تظهر في تركيا لصاحبيها سعيد حلبي، وإبراهيم متفرقة، وذلك عام 1139هـ (1726م) .
وفي رأي آخر أن كتب الحكمة والتاريخ والطب والفلك طبعت مع بداية عام 1716م، عندما صدرت فتوى من شيخ الإسلام عبدالله أفندي بجواز طبعها .
ولعل هذا الاضطراب في تحديد بداية تاريخ دخول المطابع إلى تركيا لا يحجب بعض الأمور الواضحة حول معرفة الأتراك العثمانيين للمطابع الحديثة، وهي:
1- أن تركيا العثمانية أول البلاد الشرقية معرفة للمطابع.
2- تأخر الطباعة بالحروف العربية عنها بالحروف الأخرى.
3- تردد الأتراك في طباعة كتبهم، حتى صدور فتوى بجواز ذلك.
4- أن العلماء الأتراك حرَّموا طباعة المصحف الشريف؛ خوفًا عليه من التحريف.
5- أن الإذن بطباعة الكتب بالحروف العربية جاء متدرجًا، ففي البداية سمح بطباعة الكتب في مجال الطب والفلك والحكمة والتاريخ، ثم أُذن بطباعة الكتب الأخرى.